فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الأُبي: لا دليل في الآية؛ لاحتمال أن يكون التقدير: وما يريد إمساكه، فيكون من متعلقات الإرادة، ويحتمل: وما يُمسك عن الإرسال بعد وجوده، كإمساك الماء عن النزول بعد خلقه في السحاب. اهـ.
{وهو العزيزُ} الغالب، القادر على الإرسال والإمساك.
{الحكيمُ} الذي يُرسل ويُمسك، بما تقتضي الحكمة إرساله، أو إمساكه.
الإشارة: ما يفتح الله لقلوب عباده من نفحات، وواردات، وإلهامات، وعلوم لدنية، وحِكَم ربانية، وتعرفات جمالية وجلالية، فلا ممسك لها، بل الله يفتح على مَن يشاء، ويسد الباب في وجه مَن شاء. وسدُّ الباب في وجه العبد عن معرفته الخاصة، علامته: عدم إيصاله إلى أوليائه. فكل مَن وصله إليهم، وصَحِبهم، وعظَّمهم، وخدمهم، فقد فتح الله له الباب في وصوله إليه، وكل مَن نكبه عنهم، ولم يصحبهم، كما ذكر، فقد سُدّ الباب في وجهه عن معرفته العيانية. وفي الحكم: «سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه». وما يُمسك من ذلك فلا مرسل له من بعده، ولو صلّى وصام ألف عام. قال القشيري: ما يلوح لقلوب العارفين من أنوار التحقيق لا سحاب يستره، ولا ضباب يقهره. ويقال: ما يلزم قلوبَ أوليائه وأحوالهم من التيسير فلا مُمسك له، والذي يمنع من أعدائه بسبب ما يُلقيهم فيه من انغلاق الأمور واستصعابها فلا مُيَسِّرَ له من دونه. اهـ. وبالله التوفيق.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}.
قلت: {غيرُ الله}: من رفعه فنعت للمحل، أي: هل خالق غير الله، ومن جره: فنعت للفظ. و{يرزقكم}: إما استئناف، أو: صفة ثانية لخالق، و{لا إله إلا هو}: مستأنفة، لا محل لها.
يقول الحق جلّ جلاله: {يا أيها الناس اذكروا نعمةَ اللهِ عليكم} باللسان والقلب، وهي التي تقدمت، من بسط الأرض كالمهاد، ورفع السماء بلا عماد، وإرسال الرسل للهداية والإرشاد، والزيادة في الخلق، وفتح أبواب الرزق. ثم نبَّه على أصل النعم، وهو توحيد المُنْعم، فقال: {هل من خالق غيرُ اللهِ يرزقكم من السماء} بالمطر {والأرض} بالنبات، بل لا خالق يرزق غيره، {لا إِله إِلا هو فأنى تُؤفكون} فمن أيِّ وجه تُصرفون عن التوحيد إِلى الشرك.
ثم سلَّى نبيه عن صدف قومه عن شكر المُنعم بقوله: {وإِن يُكذِّبوك فقد كُذِّبتْ رسلٌ مِن قبلك} فلك فيهم أُسوة، فاصبر كما صبروا. وتنكير {رسل} للتعظيم، المقتضي لزيادة التسلية، والحث على المصابرة، أي: فقد كُذِّبت رسل عظام، ذوو عدد كثير، وأولو آيات عديدة، وأهل أعمار طوال، وأصحاب صبر وعزم. وتقدير الكلام: وإن يكذبوك فتأسّ بتكذيب الرسل قبلك؛ لأن الجزاء يعقب الشرط، ولو أجري على الظاهر، لكان الجزاء مقدمًا على الشرط؛ لأن تكذيب الرسل سابق، فَوضعَ {فقد كُذّبت رسل من قبلك} موضع فتأسّ، استغناءً بالسبب عن المسبب.
{وإِلى الله تُرجع الأمورُ} وهو كلامٌ مشتمل على الوعد والوعيد، من رجوع الأمور إلى حكمه، ومجازاة المكذِّب والمكذَّب بكل ما يستحقه في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالنصر والعز لأهل الحق، وبالذل والإهانة لأهل التكذيب، وفي الآخرة معلوم، فالإطلاق أحسن من التقييد بالآخرة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ذكر النعمة هو أن ينظر العبد، ويتفكر في نفسه، فيجد نفسه مغروقة في النعم الظاهرة والباطنة. وقد تقدّم تعدادها في لقمان. وليتفكر في حالته الماضية، فقد كان جاهلًا، فعلَّمه الله، ضالًا، فهداه الله، غافلًا، فأيقظه الله، عاصيًا، فوفقه الله، إلى غير ذلك من الأحوال السنية. ولينظر أيضًا إلى مَن تحته مِن العباد، فيجد كثيرًا مَن هو أسوأ منه حالًا ومقامًا، فيحمد الله ويشكره. قال صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى مَن هو تحتكم ولا تنظروا إلى مَن فوقَكم فهو أَجْدَرُ ألا تَزْدَرُوا نعمةَ الله عليكم» وحمله المحققون على العموم في الدين والدنيا. ذكره ابن عباد في الرسائل وغيره.
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: تذاكروا النعم؛ فإن ذكرها شكر. اهـ.
وقال القشيري: مَنْ ذَكَرَ نعمَته فصاحبُ عبادةٍ، ونائِلُ زيادة، ومَن ذَكَرَ المُنْعِمَ فصاحبُ إرادة، ونائل زيادة، ولكنْ فرقٌ بين زيادة وزيادةً، هذا زيادته في الدارين عطاؤه، وهذا زيادته لقاؤه، اليومَ سِرًًّا بِسِرٍّ، من حيث المشاهدة، وغدًا جَهْرًا بِجَهْرٍ، من حيث المعاينة.
ه. قلت: مَن تحقق بغاية الشهود لم يبقَ له فرق بين شهود الدارين؛ إذ المتجلي واحد. ثم قال: والنعمة على قسمين: ما دَفَعَ من المِحَن، وما وضع من المِنَن، فَذِكْرُه لما دَفَعَ عنه يوجب دوامَ العصمة، وذكره لما نَفَعَه به يوجب تمام النعمة، {هل من خالق غير الله}؟ فائدة هذا التعريف بوحدانيته، فإذا عَرَفَ أنه لا رازق غيره؛ لم يُعلِّق قلبَه بأحدٍ في طلب شيءٍ. وتَوَهم شيء من أمثاله وأشكاله، ويستريح لشهود تقديره، ولا محالة يُخْلِصُ في توكله وتفويضه. اهـ.
ثم قال في قوله: {وإِن يُكذِّبوك} الآية: وفي هذا إشارة للحكماء، وأرباب القلوب، مع العوامِّ والأجانب عن هذه الطريقة، فإنهم لا يقبلون منهم إلا القليل، وأهل الحقائق منهم أبدًا في مقاساة الأذية، إلا بسَتْر حالهم عنهم، والعوام أقرب إلى هذه الطريقة من القُرَّاءِ المتعمقين، والعلماء المتجمدين، الذين هم لهذه الأصول منكرون. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

سورة فاطر:
نزولها: مكية عدد آياتها: خمس وأربعون آي.
عدد كلماتها: سبعمائة وسبعون.
عدد حروفها: ثلاثة آلاف ومائة وثلاثة وثلاثون.
مناسبتها لما قبلها:
بدأت سورة سبأ السابقة بالحمد للّه، والثناء عليه، وإضافة ما في السموات وما في الأرض إليه سبحانه وتعالى، ثم ختمت بعرض الكافرين على جهنّم وما يلقاهم من ضنك وبلاء هناك، وما يتمنونه من العودة إلى الحياة الدنيا، وأن ذلك ما لا يكون أبدا، وأنهم لو ردّوا لما آمنوا، لأنهم يحملون طباعا لا تتعامل إلا مع الضلال والكفر.
وقد بدئت سورة فاطر هذه بحمد اللّه أيضا، والثناء عليه، وإضافة الوجود إليه إضافة إيجاد وخلق، بعد أن أضافته إليه سورة سبأ، إضافة ملك وتصري.
ثم كان هذا الحمد ردّا على كفر الكافرين وشكّهم، وما جرّهم إليه هذا الكفر والشك من بلاء ونكال، فهو حمد من المؤمنين إذ عافاهم اللّه سبحانه وتعالى مما يلقى أهل النار من عذاب أليم.
قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
فاطر السموات والأرض: أي مبدعهما، وخالقهما، على أتم نظام وأكمله.
ومنه الفطرة، وهى ما ركّب اللّه سبحانه وتعالى في الإنسان من غرائز وميول، يولد بها الإنسان، كصفحة بيضاء نقي.
والجعل: إضافة على أصل الخلق، وهو العمل الوظيفي للمخلوق، حسب طبيعته.. كما يقول سبحانه: {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُورًا} (5: يونس).
وقد شرحنا هذا المعنى في مواضع أخر.
فالحمد للّه، من ذاته، ومن المخلوقات لذات الخالق، حمدا على الخلق والإيجاد، وعلى ما أمد به ما خلق، من أسباب البقاء، وعلى أن جعل الملائكة رسلا إلى الناس، تحمل إليهم رسالات السماء، بالهدى والنور، وتستغفر للمؤمنين باللّه، وتصلى على رسول اللّه، صلوات اللّه وسلامه علي.
وقال تعالى: {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} صفة للأجنحة، وتدل هذه الصيغ على كثره المعدود، وأن الملائكة ذوو أجنحة، وأنهم في ذلك ثلاثة أصناف، صنف له جناحان، وصنف له ثلاثة أجنحة، وثالث له أربعة أجنحة.. وهذه الأجنحة من نور، تتشكل من هذه الأنوار اللطيفة كما تتشكل صور الأشياء من عالم الماد.
وقوله تعالى: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ} هو ردّ على من يتصور أن ذوات الأجنحة لا تكون إلا بجناحين، وأن الثلاثة لا يقوم بها نظام الطائر، كما أن الأربعة هي بمنزلة الجناحين.. وهذا في تقدير الخلق، ولكن الخلاق العظيم المبدع، يخلق ما يشاء، ويزيد في الخلق ما يشاء.
{إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فإذا جعل لطائر، ثلاثة أجنحة، أو أربعة، أو ما شاء اللّه من أجنحة، كان ذلك بتقدير، وعلم، وحكمة.
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] قوله تعالى: {ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي إن القدرة كلّها بيد اللّه وحده، لا يملك أحد شيئا بقدر به على أن يجلب خيرا أو يدفع ضرّا، إلا بإذن اللّه وتقدير، فما يرسله اللّه سبحانه وتعالى إلى الناس، من رحمة، أي من خير ورزق، لا يستطيع أحد رده، والحيلولة بينه وبين أن يصل إلى حيث أراد اللّه.
وما يمسك اللّه من شىء، فلا يستطيع أحد أن يرسله، ولا أن يزحزحه عن الموضع الذي هو فيه.
وقد قيّد ما يرسل من اللّه- سبحانه- بالرحمة، إشارة إلى ما للّه سبحانه وتعالى من فضل وإحسان، وأنه رحيم بعباده، وأن رحمته وسعت كل شيء وأطلق ما يمسك، ولم يقيد بالرحمة أو غيرها، إشارة إلى أن اللّه سبحانه إنما يمسك ما يمسك لاضنّا بما يمسكه، وإنما لحكمة وتقدير.. {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الذي عز سلطانه فملك كل شىء، والذي قام ملكه على الحكمة، فلا يقع فيه شيء إلا بتقدير الحكيم العليم قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} وإذا كان اللّه سبحانه وتعالى، هو مالك الملك وحده، والمنصرف فيه بلا شريك يشاركه- فإن أي مخلوق يتوجه إلى غير خالقه، ويطلب الرزق منه، يكون قد ضل، ولن يبوء إلا بالخيبة والخسران.
وقال تعالى: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} استفهام إنكاري، ينكر على الذين يولّون وجوههم إلى غير اللّه، ويلتمسون الرزق من غيره- ينكر عليهم هذا الضلال، ويتبعهم إلى هذا المتجه الخاطئ الذي يتجهون إليه.. والإفك:
الافتراء والبهتان.
قال تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.
هو عزاء كريم من اللّه سبحانه وتعالى، للنبي صلوات اللّه وسلامه عليه، فيما يلقى من قومه من تكذيب، فهو ليس وحده الذي كذّب من قومه، فإن إخوانه الأنبياء من قبله، قد لقوا من أقوامهم مثل ما لقي، من سفاهة السفهاء، وتطاول الحمقى، وتكذيب الضالين والجاهلي.
وقال تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} تهديد لهؤلاء المكذبين، وبأن أمرهم إلى اللّه، وأنهم راجعون إليه، فيقضى فيهم بحكمه، ويجزى المسيء منهم بما عمل!.. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}.
افتتاحها ب {الحمد لله} مؤذن بأن صفات من عظمة الله ستذكر فيها، وإجراء صفات الأفعال على اسم الجلالة مِن خلقِهِ السماوات والأرض وأفضللِ ما فيها من الملائكة والمرسلين مؤذن بأن السورة جاءت لإِثبات التوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وإيذان {الحمد لله} باستحقاق الله إياه دون غيره تقدم في أول سورة الفاتحة.
والفاطر: فاعل الفَطْر، وهو الخلق، وفيه معنى التكون سريعًا لأنه مشتق من الفطر وهو الشق، ومنه {تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن} [الشورى: 5] {إذا السماء انفطرت} [الانفطار: 1].
وعن ابن عباس كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض أي لعدم جريان هذا اللفظ بينهم في زمانه حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتُها.
وأحسب أن وصف الله ب {فاطر السماوات والأرض} مما سبق به القرآن، وقد تقدم عند قوله تعالى: {فاطر السماوات والأرض} في سورة الأنعام (14)، وقوله: {وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض} في آخر سورة يوسف (101) فضُمَّه إلى ما هنا.
وأما جاعل فيطلق بمعنى مكوِّن، وبمعنى مُصَيِّر، وعلى الاعتبارين يختلف موقع قوله: {رسلًا} بين أن يكون مفعولًا ثانيًا ل {جاعل} أي جعل الله من الملائكة، أي ليكونوا رسلًا منه تعالى لما يريد أن يفعلوه بقوتهم الذاتية، وبين أن يكون حالًا من {الملائكة}، أي يجعل من أحوالهم أن يُرسَلوا.
ولصلاحية المعنيين أُوثرت مادة الجعل دون أن يعطف على معمول {فاطر}.
وتخصيص ذكر الملائكة من بين مخلوقات السماوات والأرض لشرفهم بأنهم سكان السماوات وعظيم خلقهم.
وأجري عليهم صفة أنهم رُسل لمناسبة المقصود من إثبات الرسالة، أي جاعلهم رسلًا منه إلى المرسلين من البشر للوحي بما يراد تبليغهم إياه للناس.
وقوله: {أولي أجنحة} يجوز أن يكون حالًا من {الملائكة}، فتكون الأجنحة ذاتيةً لهم من مقومات خلقتهم، ويجوز أن يكون حالًا من الضمير في {رسلًا} فيكون خاصة بحالة مَرسوليتهم.
و{أجنحة} جمع جَناح بفتح الجيم وهو ما يكون للطائر في موضع اليد للإِنسان فيحتمل أن إثبات الأجنحة للملائكة في هذه الآية وفي بعض الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة، ويحتمل أنه استعارة للقوة التي يخترقون بها الآفاق السماوية صعودًا ونزولًا لا يعلم كنهها إلا الله تعالى.
و{مثنى} وأخواتُه كلمات دالّة على معنى التكرير لاسم العدد التي تشتق منه ابتداء من الاثنين بصيغة مَثنى ثم الثلاثة والأربعة بصيغة ثُلاث ورُباع.
والأكثر أنهم لا يتجاوزون بهذه الصيغة مادة الأربعة، وقيل: يجوز إلى العشرة.
والمعنى: اثنين اثنين. إلخ.
وتقدم قوله: {أن تقوموا لله مثنى وفرادى} في سورة سبأ (46).
والكلام على أولي تقدم.
والمعنى: أنهم ذوو أجنحة بعضها مصففة جناحين جناحين في الصف، وبعضها ثلاثةً ثلاثة، وبعضها أربعةً أربعةً، وذلك قد تتعدد صفوفه فتبلغ أعدادًا كثيرة فلا ينافي هذا ما ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
ويجوز أن تكون أعداد الأجنحة متغيرة لكل ملك في أوقات متغيرة على حسب المسافات التي يؤمرون باختراقها من السماوات والأرضين.
والأظهر أن الأجنحة للملائكة من أحوال التشكل الذي يتشكلون به.
وفي رواية الزهري أن جبريل قال للنبيء صلى الله عليه وسلم «لو رأيت إسرافيل إنّ له لاَثنَيْ عشرَ ألفَ جناح وإن العرش لعلى كاهله».
واعلم أن ماهية الملائكة تتحصل فيما ذكره سعد الدين في كتاب المقاصد إنهم أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكلات بأشكال مختلفة، شأنهم الخير والطاعة، والعلم، والقدرة على الأعمال الشاقة، ومسكنُهم السماوات، وقال: هذا ظاهر الكتاب والسنة وهو قول أكثر الأمة.اهـ.
ومعنى الأجسام اللطيفة أنها من قبيل الجوهر لا العرض وأنها جواهر مما يسمى عند الحكماء بالمجردات.